من الصعب أن أرثيك يا شيرين في بضعة أسطر … أتعرفي أني لا أعرف ماذا أكتب وكيف أكتب ، ومن أين أبدأ ، وأين أقف ؟ كنت فكرت بعدم الكتابة لأني لا أعرف كيف أستجمع قواي ، وكيف أكتب نهاية حبنا لك.
إني أعرف ويعرف الجميع لماذا قتلوك ، فهذا هو سلوكهم وحالهم وهذه هي فطرتهم ، سفك الدماء ، فقد درجوا على ذلك منذُ ٧٤ عاماً ، فسجلهم الدموي حافل بحق الأبرياء .. هؤلاء هم الصهاينة الذين يسري الشر في عروقهم والخبثُ في شراينهم.
نعلم أنه برحيلك ذهبت الكلمة الصادقة واندثرت الحقيقة ، فبِقدر ألمنا وحُزننا وقهرنا على فقدانك ، إلا أن عزائنا الوحيد أنك استشهدتي في ميادين الشرف ، فأنت المحاربة وفارسة الكلمة عن جدارة والصوت القوي في نقل الحقيقة.
ما أرهب الموت وما أحقه وأمرّه وما أقساه ، فقد عودتنا الدنيا على أن نودع أحبة .. هكذا هو الموت لا يزال يمارس طقوسه الموجعة في سرقة أحبتنا .. فقد استشهدت شيرين في ساعة لم يحتسبها الزمن ، وأدخلتنا في غيبوبة عميقة أخذتنا إلى مكان بعيد ليس بوسعنا إدراك حدوده.
ولعلها معادلة في غاية الغرابة أن تُقتل شيرين لكونها دافعت عن الحقيقة ، فأصعب موقف أن تتحدث في شخص قُتل بقوة القرار الذي لا نملك له دفعاً ، فإسرائيل قررت بكامل أجهزتها أن تنتقم من شيرين لتضاف إلى سجل جرائمهم المتورمة.
وقفت شيرين شامخة الرأس واستقبلت الموت الزؤام راضية ، واختارت عفافها وطُهرها على العيش في عالم مسعور .. فهناك ممن تصهينت أرواحهم ووجدانهم ، وباتوا يتسابقون على التطبيع والخيانة.
من يواسينا فيكي ؟ الحزن يخيم علينا فقد بكينا حزنًا لأجلك ، لقد أدميتي قلوبنا وشغلتي حيزاً كبيراً في عقولنا ، وانحنت ظهورنا لفقدانك .. إنك شهيدة العفة والطُهر ، أدميتي قلوب كل من أحبوكي.
لأنك تحسي بنا فقد أحسسنا بك وأحببناك فقد وجدنا في حبك صدق الكلمة .. فالحب يأتي دون سبب ، ولا يأتي بمال ولا يؤخذ بجمال ، ولا يُقاس بعمر فهو قدر ، فسلام عليكي يوم ولدت ويوم استشهدتي ، وعلى روحك الطاهرة النبيلة صاحبة الرسالة.
شواهد كثيرة تجعلنا نتألم لفقدانك ولم نعتد أن نشاهد الشاشة بدونك ، فلم تكوني مجرد صحفية أو مراسلة أخبار ، فأي الكلمات من حديثك سنختار لنتغنى بها ؟
ترجلت شيرين وغادرت إلى مثواها الأخير ، ومضت إلى لقاء ربها صامتة .. فعلى مدار ٢٥ عاماً لم تخلف شيرين أبو عاقلة موعداً عن معركة مع المقاومين والمرابطين دفاعاً عن فلسطين والأقصى ، ودفاعًا عن كرامتنا جميعاً .. فقد قضت نحبها في الصف الأول على جبهة القتال تذود بجسدها وعدستها وصوتها عن مخيم جنين ، تحمي السكان العزّل من همجية الصهاينة وجنود الإحتلال.
أرجوكم لا تنشغلوا بإصدار صكوك الجنة والنار ، فلا أحد يقرر من يدخل الجنة ومن يدخل النار غير الله عزّ وجل ، وكفاكم تشويهاً للأديان .. من الذي أعطاكم الحق بتصنيف الناس هذا إلى الجنة وهذا إلى النار لتشاركوا الله في صلاحياته وتصدروا القرارات والأحكام وكأن مفاتيح الجنة والنار في جيوبكم.