آخر الأخبار
عاجل

“واقف على الدقرة”..

“واقف على الدقرة”..
الشريط الإخباري :  
عمان- "واقف على الدقرة”، عبارة حاضرة بكثير من المواقف، وقد تكون سببا في إنهاء علاقات اجتماعية وأسرية، ويجد فيها البعض سببا للابتعاد عن الآخرين، وتجنب تطوير العلاقات أو تعقيدها.
هؤلاء الأشخاص كثر، ويزيدون الأمور صعوبة، كما تقول ربة المنزل ناديا، إذ إن العلاقات المتشعبة في عائلتها الممتدة، تستنزفها، لأن العتاب و”الزعل” حاضران على أصغر الأشياء دوما، ومطلوب منها أن تقدم دوما "تبريرات” لكل خطوة تقوم بها لكي لا يتم فهمها بشكل خاطئ.
ولكن هذا الأمر يتطلب مهارة في التعامل، كما تقول ناديا، ومن خلال وضع الحدود مع هذه النوعية من الأشخاص، مبينة أن هنالك علاقات تصل لحد القطيعة، لأن "فلانا واقف على الدقرة”، أي أنه يدقق في طبيعة توصله مع الآخرين، وينتظر الخطأ الذي قد يوقع الضغينة بينهم.
في اللغة، فإن معنى كلمة "الدقران” هو "خشب ينصب في الأرض تعرض عليه الكروم”، والدوقرة أيضاً تُعرف بأنها "بقعة تكون بين الجبال في الغيطان انحسر عنها الشجر، وهي بيضاء صلبة لا نبات فيها، والجمع الدَّواقر”، لذلك سمي الشخص الذي يعقد العلاقات الاجتماعية بينه وبين الآخرين بأنه "يوقف على الدقرة، أي أنه صلب في علاقاته لا تنبت حباً أو خيراً”.
وفي إحدى المقولات الشهيرة، كتب أحدهم ليعبر عن طبيعة العلاقات الاجتماعية السليمة، قائلاً "أنا شخص بسيط.. أؤمن أن العلاقات خُلقت للراحة، للود والتفاهم واللّين في التعامل بيننا، لم تُخلق للدفاع عن أنفسنا، لتجميلها، وللفوز في معارك المناقشات، كلمة لطيفة كفيلة بإنهاء أي خلاف لمجرد أنني أقدرك، أنا شخص أبسط من تعقيد العلاقات الاجتماعية”.
وفي ظل ما ألقته جائحة كورونا على العلاقات الاجتماعية، والحد من إقامة المناسبات العامة واقتصارها على المقربين جداً، إلا أن هناك فئة ما تزال ترى "أن في العتاب والزعل والتدقيق في التواصل مع الآخرين أمرا مستباحا لهم”، لذا كان من الأجدر أن يكون هناك حدود للأشخاص الذين ما يزالون "واقفين على الدقرة”.
اختصاصي علم الاجتماع الدكتور محمد جريبيع، يبين أنه من المتعارف عليه بأن العلاقات الاجتماعية مبنية على ظروف معينة، وهي صلة القرابة أو الصداقة أو علاقات الزمالة في العمل، والعلاقات الاجتماعية هي محرك أساسي في بناء الحياة واستمرارها، ولكن حتى تستمر هذه المنظومة لا بد من أسس تقوم عليها، مكونة من الاحترام والتواصل، فالعلاقات تستمر بالتغاضي وليس بالتقاضي.
هذا التغاضي، يرى مازن أسعد "وهو أب وجد في الوقت ذاته”، أنه مهارة يجب على الجميع تعلمها، حتى تستمر علاقات المحبة، وألا نترك المجال للشخص "مُعقد العلاقات الذي لا يجد لنا الأعذار” بأن يقف في طريق الحياة السليمة، وخاصة بين الإخوة والأخوات، الذين يجب أن يكونوا أكثر الأفراد تقبلاً لبعضهم بعضا، وتحملاً لأخطاء وزلات بعضهم بعضا، حتى يتربى الأبناء على ذلك ويعيشوا حياة خالية من "التعقيدات”.
ووفق جريبيع، فإن هناك بعض العلاقات الاجتماعية التي تشكل عبئاً أساسياً على كل فرد منا، وهنا يجب أن نميز بين نوعين من العلاقات الاجتماعية، وهي علاقات مفروضة علينا، وهي التي تكون من خلال روابط الدم، كما في العائلة والإخوة والأخوات والأقارب على اختلاف صلتهم، وعلاقات أخرى نحن من يختارها وليست مفروضة كما في الأصدقاء والزملاء الذين نختارهم لبناء تواصل معهم يستمر لفترات طويلة.
لذلك، يجب التمييز بين هذين النوعين من العلاقات، كما يبين جريبيع، حيث يرى أن أجمل العلاقات التي "نشكلها في محيطنا هي التي تعطي لنا إضافة في حياتنا وتمنحنا الطاقة الإيجابية التي تضفي السعادة والراحة على علاقاتنا”، فيما أن العلاقات الأخرى المزعجة والمحبطة، فإنها تشكل حالة من الضغط على الشخص، لذلك يجب الحرص في الانتقاء، وتحديد فلسفة خاصة لطبيعة الحياة معهم، ونمط تلك العلاقات، لذلك نختار من يشبهنا ويكونون قيمة مضافة لحياتنا، وإلا فإن الاستغناء عنها هو الأفضل، لخلق راحة وسعادة.
هذا الأمر يعتمد على تربية الشخص والعادات الحسنة التي نشأ عليها الإنسان في بيته إلى حد ما، كما ترى الاستشارية التربوية انتصار أبو شريعة، على الرغم من وجود طباع قد يحملها الشخص في تعامله مع الآخرين، ولكن "علينا أن نكون حذرين في تعاملنا مع هذه الفئة، التي تستنزف طاقة الإنسان وتجعله يتجنب العلاقات الاجتماعية فيما بينهم، ومن ثم سيؤثر ذلك في امتداد تلك العلاقات فيما بعد حتى بين الأبناء والأحفاد”.
كما تبين أبو شريعة أن هذه الصفات تبقى عالقة في أذهاننا عن الآخرين، ما يدفع البعض إلى بناء صورة نمطية عن الآخر، ويجعله يحتار بين إرضائه وتجنب غضبه وعتابه، أو إنهاء التواصل معه، ولكن هذا تحدده طبيعة العلاقة بين الأشخاص، إما علاقة قرابة شديدة أو صداقة وزمالة في محيطه العملي أو الدراسي.
ووفق أبو شريعة، فإن بناء علاقاتنا الاجتماعية بناء على المودة واللين مع الآخرين، سبب رئيس لضمان استمرار التواصل مع الآخرين، والمؤسسات التربوية والتعليمية عليها دور كبير وفاعل في ترسيخ تلك القيم في المجتمع لدى الأشخاص منذ الصغر.
وتلفت إلى ضرورة أن يكون الأهل قدوة للطفل في تعاملهم مع أقاربهم وأصدقائهم، بأن لا يعقدوا العلاقات فيما بينهم ويجدون الأعذار للآخرين، ولا يكونوا "حجر عثرة” في طريق تلك العلاقات وسلاستها، وأن يستوعب الإنسان أخاه، مبينة أن وجود اختلافات وظروف هو أمر طبيعي يحدث لكل شخص منا، "وعلينا أن نكون منطقيين في تعاملنا مع الآخر وألا نكون لأنفسنا صورة سلبية في عيون الآخرين”.
الغد